السبت، 25 ديسمبر 2010

تلبع تفسير سورة الحجرات من الآية(4-8)



{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } * { وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حَتَّىٰ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوۤاْ أَن تُصِيبُواْ قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } * { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ ٱللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ ٱلإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ ٱلْكُفْرَ وَٱلْفُسُوقَ وَٱلْعِصْيَانَ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلرَّاشِدُونَ } * { فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَنِعْمَةً وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }الحجرات من(4-8)
شرح الكلمات:
{ إن الذين ينادونك من وراء : أي حجرات نسائه والذين نادوه وفد من أعراب بني تميم منهم الحجرات } الزَّبرقان بن بدر والأقراع بن حابس وعيينة بن حصن.
{ أكثرهم لا يعقلون } : أي فيما فعلوه بمحلك الرفيع ومقامك السامي الشريف.
{ ولو أنهم صبروا حتى تخرج : أي ولو أنهم انتظروك حتى تخرج بعد قيامك من قيلولتك.
إليهم } { لكان خيراً لهم } : أي من ذلك النداء بأعلى أصواتهم من كل أبواب الحجرات.
{ والله غفور رحيم } : أي غفور لمن تاب منهم رحيم بهم إذا أساءوا مرتين الأولى برفع أصواتهم والثانية كانوا ينادونه ويقولون أن اخرج إلينا فإِن مدحنا زين وذمنا شين.
{ فاسق بنبأ } : أي ذو فسق وهو المرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب والنبأ الخير ذو الشأن.
{ فتبيّنوا } : أي تثبتوا قبل أن تقولوا أن تفعلوا أو تحكموا.
{ أن تصيبوا قوما بجهالة } : أي خشية إصابة قوم بجهالة منكم.
{ فتصبحوا على ما فعلتم نادمين } : أي فتصيروا على فعلكم الخاطىء نادمين.
{ واعلموا أن فيكم رسول الله } : أي فاحذروا أن تكذبوا أو تقولوا الباطل فإِن الوحي ينزل وتفضحون بكذبكم وباطلكم.
{ لو يطيعكم في كثير من الأمر : أي لوقعتم في المشقة الشديدة والإِثم أحيانا.
لعنتم } { وكره إليكم الكفر والفسوق } : أي بغَّض إلى قلوبكم الكفر والفسوق كالكذب والعصيان بترك واجب أو فعل محرم.
{ أولئك هم الراشدون } : أي الذين فعل ما فعل من تحبيب الإِيمان وتكريه الكفر وما ذكر معه هم الراشدون أي السالكون سبيل الرشاد.
{ فضلا من الله ونعمة } : أي أفضل بذلك عليهم فضلا وأنعم إنعاما ونعمة.
{ والله عليم حكيم } : أي عليم بخلقه وما يعملون حكيم في تدبيره لعباده هذا بعامة وبخاصة عليم بأولئك الراشدين حكيم في إنعامه عليهم.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في تأديب المؤمنين إزاء نبيهم صلى الله عليه وسلم فقد عاب تعالى أقواما معهم جفاء وغلظة قيل انهم وفد من أعراب بني تميم منهم الزبرقان بن بدر، والأقرع بن حابس وعيينة بن حصن جاءوا والرسول قائل وقت القيلولة ووقفوا على أبواب الحجرات ينادون بأعلى أصواتهم يا محمد يا محمد صلى الله عليه وسلم أن اخرج إلينا فإِن مدحنا زين وإن ذمنا شين فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية الكريمة تأديبا لهم { إن الذين ينادونك من وراء الحجرات } حجرات نساء الرسول صلى الله عليه وسلم وكانت أبواب الحجرات إلى المسجد. { أكثرهم لا يعقلون } أي فيما فعلوه بمقام الرسول الشريف ومكانته الرفيعة. { ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم } بعد هبوبك من قيلولتك { لكان خيراً } أي من ذلك النداء بتعالي الأصوات من وراء الحجرات وقوله تعالى { والله غفور رحيم } أي غفور لمن تاب منهم رحيم بهم إذ لم يعجل لهم العقوبة وفتح لهم باب التوبة وأدبهم ولم يعنف ولم يغلظ، وقوله تعالى في الآية الثالثة من هذا السياق (6) { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإِ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين } هذه الآية وإن كان لها سبب في نزولها وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى بني المصطلق ليأتي بزكاة أموالهم، وكان بينهم وبين أسرة الوليد عداء في الجاهلية فذكره الوليد وهاب أن يدخل عليهم دارهم وهموا بقتله فهرب منهم فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وَهمَّ بغزوهم.

وما زال كذلك حتى أتى وفد منهم يسترضي رسول الله ويستعتب عنده خوفا من أن يكون قد بلغه عنهم سوء فأخبروه بأنهم على العهد وأن الوليد رجع من الطريق ولم يصل إليهم وبعث الرسول خالد بن الوليد من جهة فوصل إليهم قبل المغرب فإِذا بهم يؤذنون ويصلون المغرب والعشاء فعلم أنهم لم يرتدوا وأنهم على خير والحمد لله. وجاء بالزكوات وأنزل الله تعالى هذه الآية قلت إن هذه الآية وإن نزلت في سبب معين فإنها عامة وقاعدة أساسية هامة فعلى الفرد والجماعة والدولة أن لا يقبلوا من الأخبار التي تنقل إليهم ولا يعملوا بمقتضاها إلا بعد التثبت والتبين الصحيح كراهية أن يصيبوا فرداً أو جماعة بسوء بدون موجب لذلك ولا مقتضٍ الاقالة سوء وفرية قد يريد بها صاحبها منفعة لنفسه بجلب مصلحة أو دفع مضرة عنه. فالأخذ بمبدأ التثبت والتبين عند سماع خبر من شخص لم يعرف بالتقوى والاستقامة الكاملة والعدالة التامة واجب صونا لكرامة الأفراد وحماية لأرواحهم وأموالهم. والحمد لله على شرع عادل رحيم كهذا. فقوله { إن جاءكم فاسق } المراد بالفاسق من يرتكب كبيرة من كبائر الذنوب كالكذب مثلا، والنبأ الخبر ذو الشأن والتبيّن التثبت وقوله { أن تصيبوا قوما بجهالة } أن تصيبوهم في أبدانهم وأموالهم بعدم علم منكم وهي الجهالة وقوله { فتبحوا على ما فعلتم نادمين } أي من جرَّاء ما اتخذتم من أجراء خاطىء، وقوله تعالى في الآية (7) { واعلموا } يلفت الربّ تعالى نظر المسلمين إلى حقيقة هم غافلون عنها وهو وجود الرسول صلى الله عليه وسلم حيّاً بينهم ينزل عليه الوحي فإِن هذه حال تتطلب منهم التزام الصدق في القول والعمل وإلاّ يفضحهم الوحي فوراً إن هم كذبوا في قول أو عمل كما فضح الوليد لما أخبر بغير الحق. هذا أولا وثانيا لو كان الرسول صلى الله عليه وسلم يطيعهم في كل ما يرونه ويقترحونه لوقعوا في مشاكل تُعرّضهم لمشاق لا تطاق، بل وفي آثام عظام. هذا معنى قوله تعالى { واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم } وقوله { ولكن الله حبب إليكم الإِيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان } فوقاكم كثيرا من أن تكذبوا على رسولكم أو تقترحوا عليه أو تفرضوا آراءكم.
وقوله { أولئك هم الراشدون } أي أولئك أصحاب رسول الله هم السالكون سبيل الرشاد فلا يتهوكون ولا يضلون وقوله { فضلا من الله ونعمة } أي هدايتهم كانت فضلا من الله ونعمة، والله عليم بهم وبنياتهم وبواعث نفوسهم حكيم في تدبيره فأهَّل أصحاب رسول الله للخير وأضفاه عليهم فهم أفضل هذه الأمة على الاطلاق ولا مطمع لأحد أتى بعدهم أن يفوقهم في الفضل والكمال في الدنيا ولا في الآخرة فرضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين وعنا معهم آمين.

من هداية الآيات:
1- بيان سمو المقام المحمدي وشرف منزلته صلى الله عليه وسلم.
2- وجوب التثبت في الأخبار ذات الشأن التي قد يترتب عليها أذى أو ضرر بمن قيلت فيه، وحرمة التسرع المفضي بالأخذ لاظنة فيندم الفاعل بعد ذلك في الدنيا والآخرة.
3- من أكبر النعم على المؤمن تحبيب الله تعالى الإيمان إليه وتزيينه في قبله، وتكريه الكفر إليه والفسوق والعصيان وبذلك أصبح المؤمن أرشد الخلق بعد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ليست هناك تعليقات: