الأربعاء، 22 ديسمبر 2010

تابع تفسير سورة يونس

{ وَلَوْ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسْتِعْجَالَهُمْ بِٱلْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } * { وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ٱلضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ } * { ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي ٱلأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ }يونس:11-14

شرح الكلمات:
{ الشر }: كل ما فيه ضرر في العقل أو الجسم أو المال والولد، الخير عكسه: ما فيه نفع يعود على الجسم أو المال أو الولد.
{ لقضي إليهم أجلهم }: لهلكوا وماتوا.
{ فنذر }:أي نترك.
{ في طغيانهم يعمهون }: أي في ظلمهم وكفرهم يترددون لا يخرجون منه كالعميان.
{ الضر }: المرض وكل ما يضر في جسمه، أو ماله أو ولده.
{ مر كأن لم يدعنا }: مضى في كفره وباطله كأن لم يكن ذاك الذي دعا بكشف ضره.
{ كذلك زين }: مثل ذلك النسيان بسرعة لما كان يدعو لكشفه، زين للمسرفين إسرافهم في الظلم والشر.
{ القرون }: أي أهل القرون.
{ بالبينات }: بالحجج والآيات على صدقهم في دعوتهم.
{ خلائف }: أي لهم، تخلفونهم بعد هلاكهم.
معنى الآيات:
هذه الفترة التي كانت تنزل فيها هذه السورة المكية كان المشركون في مكة في هيجان واضطراب كبيرين حتى إنهم يطالبون بنزول العذاب عليهم إذ ذكر تعالى ذلك عنهم في غير آية من كتابه منها
سأل سائل بعذاب واقع }
ومنها
ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب }
وفي هذا الشأن نزل قوله تعالى { ولو يعجِّل الله للناس الشر } أي عند سؤالهم إياه، أو فعلهم ما يقتضيه كاستعجاله الخير لهم { لقضي إليهم أجلهم } أي لهلكوا الهلاك العام وانتهى أجلهم في هذه الحياة، وقوله تعالى { فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون } أي لم نعجل لهم العذاب فنذر الذين لا يرجون لقاءنا أي لا يؤمنون بلقائنا وما عندنا من نعيم وجحيم نتركهم في طغيانهم في الكفر والظلم والشر والفساد يعمهون حيارى يترددون لا يعرفون مُتجهاً ولا مخرجاً لما هم فيه من الضلال والعمى.
هذا ما دلت عليه الآية الأولى (11) أما الآية الثانية (12) فقد تضمنت بيان حقيقة وهي أن الإِنسان الذي يعيش في ظلمة الكفر ولم يستنر بنور الإِيمان إذا مسه الضر وهو المرض والفقر وكل ما يضر دعا ربه على الفور لجنبه أو قاعداً أو قائماً يا رباه يا رباه فإذا استجاب الله له وكشف ما به من ضر مرَّ كأن لم يكن مرض ولا دعا واستجيب له واستمر في كفره وظلمه وغيِّه. وقوله تعالى { كذلك زُين للمسرفين ما كانوا يعملون } أي كما أن الإِنسان الكافر سرعان ما ينسى ربه الذي دعاه ففرج ما به كذلك حال المسرفين في الظلم والشر فإنهم يرون ما هم عليه هو العدل والخير ولذا يستمرون في ظلمهم وشرهم وفسادهم. هذا ما دل عليه قوله تعالى { كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون }.
وقوله تعالى في الآية الثالثة { ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا } هذا خطاب لأهل مكة يخبرهم تعالى مهدداً إياهم بإمضاء سنته فيهم بأنه أهلك أهل القرون من قبلهم لَمَّا ظلموا أي أشركوا وجاءتهم رسلهم بالبينات أي بالآيات والحجج، وأبوْا أن يؤمنوا لِما ألفوا من الشرك والمعاصي فأهلكهم كعاد وثمود وأصحاب مدين وقوله تعالى { كذلك نجزي القوم المجرمين } أي مثل ذلك الجزاء بالإِهلاك العام نجزي القوم المجرمين في كل زمان ومكان إن لم يؤمنوا ويستقيموا. وقوله تعالى { ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون } أي يقول لمشركي العرب من أهل مكة وغيرها، ثم جعلناكم خلائف في الأرض بعد إهلاك من قبلكم لننظر كيف تعملون فإن كان عملكم خيراً جزيناكم به وإن كان سوءاً جزيناكم به وتلك سنتنا في عبادنا وما الله بغافل عما يعمل الظالمون.

من هداية الآيات:
1- مظاهر رحمة الله بعباده إذ لو عجل لهم ما يطلبون من العذاب كما يعجل لهم الخير عندما يطلبونه لأهلكم وقضى إليهم أجلهم فماتوا.
2- يعصي الله العصاةُ ويكفر به الكافرون ويتركهم في باطلهم وشرهم فلا يعجل لهم العذاب لعلهم يرجعون.
3- بيان أن الإِنسان الكافر يعرف الله عند الشدة ويدعوه ويضرع إليه فإذا نجاه عاد إلى الكفر به كأن لم يكن يعرفه.
4- استمرار المشركين على إسرافهم في الكفر والشر والفساد مُزين لهم حسب سنة الله تعالى فمثلهم مثل الكافر يدعو عند الشدة وينسى عند الفرج.
5- وعيد الله لأهل الإِجرام بالعذاب العاجل أو الآجل إن لم يتوبوا.
6- كل الناس أفراداً وأمماً مُمهَلُون مُراقَبُون في أعمالهم وسلوكهم ومَجزيون بأعمالهم خيرها وشرها لا محالة.

ليست هناك تعليقات: